يقول: "فإن الولاية هي القرب أو المحبوبية أو التصرف، أو الربوبية أو النيابة، وكلها حق".
الجغرافيا القديمة تقول: إن الأرض سبعة أقاليم -مع العلم أنه قبل اكتشاف الأمريكيتين و
استراليا والقطبين ما كان الأولياء يدرون بوجودها، وهم مع هذا يزعمون أنهم يطلعون على الغيب واللوح المحفوظ -فقد كانت الأقاليم عندهم سبعة (إقليم
الهند - وإقليم
الصين - وإقليم الروم - وإقليم
الحجاز- وإقليم
إفريقيا - وإقليم
الشام ).
وهم يقولون: إن الله تعالى استدعى الأولياء السبعة، وأعطى كل واحد منهم مفتاحاً لإقليم، ليتصرف فيه كما يشاء، وهؤلاء الأولياء منهم
أحمد الرفاعي، و
عبد القادر الجيلاني وأمثالهم من الأوائل، فلما ظهر
أحمد البدوي، ادعى أتباعه أنه أخذ المفاتيح السبعة من الأولياء كلهم، وصار هو الذي يتصرف في الأقاليم كلها.
يقول: "الولاية هي القرب أو المحبوبية أو التصرف أو الربوبية" فلم يكتفوا بنسبة الألوهية لهم؛ بل أضافوا إليها الربوبية، "أو النيابة" أي أنه ينوب عن الذات في كل شيء يقول: "وكلها حق" يعني: هذه العبارات حق، وإن اختلفت "والحقيقة وسائر المراتب ظل وفيء لها" أي: أن الحقيقة والمراتب الأخرى ظل وفيء لهذه الولاية.
إذاً أيهما أفضل الولي أم الرسول؟ الجواب: الولي؛ لأن الحقيقة المحمدية ما هي إلا ظل وفيء لهذه الولاية التي هي الربوبية والنيابة والتصرف، ومن هنا ظهرت تلك البدعة التي ابتدعها
الحكيم الترمذي أولاً، وهي: ختم الولاية، ثم جاء بعده في ذلك
ابن عربي، ثم جاء بعده
محمود محمد طه الذي ظهر في
السودان.
و
الصوفية وأشباههم إلى اليوم،
يثبتون أن الولي أفضل من النبي، وأن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء، ولذلك يقولون البيت المشهور:
مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي
فأعلى شيء عندهم الولي، ثم بعد ذلك النبي، وبعد ذلك أدنى شيء هو الرسول، وهذا عكس المعروف، فكل من يقرأ كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، يعلم أن أفضل الخلق جميعاً هم الرسل، وبالذات أولي العزم، ثم بعد ذلك الأنبياء، ثم بعد ذلك الأولياء، وعباد الله الصالحون، ممن ليسوا بأنبياء.
يقول: "وهي رب الولاية العلوية التي هي متحدة مع حقيقة الخلافة المحمدية في النشأة: الأمر، والخلق ".
فماذا قال الله تعالى عن الخلق والأمر؟ قال تعالى: : ((أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ))[الأعراف:54] فالأمر والخلق له وحده سبحانه وتعالى، وهؤلاء جعلوا لله شركاء فيه.
يقول: "حقيقة الخلافة والولاية بمقامها الغيبية التي لا يتعين بتعين ولا يتصف بصفة، ولا يظهر في مرآة، لا يكون لهما هيئة روحانية أصلاً، وأما بمقام ظهورها في صور الأسماء والصفات، وانعكاس نورهما في مرائي التعينات هما على هيئة كرات" أي: الحالة الأولى: لا يطلع عليها أحد، أما الحالة الثانية: التجلي يكون في المرآة، ويكون شكلها على هيئة كرات "يحيط بعضها ببعض، "ولكن الأمر في الكرات الإلهية والروحانية على عكس الكرات الحسية، فإن الكرات الحسية قد أحاط محيطها على مركزها" وهذا هو الأصل؛ فإن لكل كرة محيطاً يحيط بها ومركزاً هو في وسطها، لكنه يقول: "وفي الكرات الإلهية والروحانية أحاط مركزها على محيطها، بل المحيط فيها عين المركز باعتبار، والفرق بين الكرات الإلهية والروحانية أن الأولى كانت مصمتة والثانية مجوفة بالتجويف الإمكاني، ومن كون الكرات الإلهية مصمتة، كانت إحاطتها بالكرات المحاطة الإلهية والنازلة الروحانية أتم".
ثم يقول: "لا تتوهمن أن الإحاطة في تلك الكرات كالإحاطة في الكرات الحسية، من كون بعضها في جوف بعض، وتماس سطوح بعضها بسطوح بعض، فإن ذلك توهم فاسد، وظن باطل" أي أنك ستشرك بالله إذا اعتقدت أن الإحاطة في كل الكرات مثل بعض "فإن ذلك توهم فاسد، وظن باطل، فاخرج عن هذا السجن، واترك دار الحس والوهم، وارق إلى عالم الروحانيات، وابعث نفسك عن هذه القبور الهالك سكانها، الظالم أهلها".
فهم يرون ما نحن فيه من قراءة كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفتها، أنه عالم القبور الأموات المظلم، فإذا رقيت إلى عالم الروحانيات رأيت هذه الكرات التي مركزها ومحيطها وشكلها وسطوحها مجوفة أو مصمتة بهذا الشكل الذي يسطره لك الخميني.
يقول: "قد وقع في كلام معلم الصناعة الحكيم أرسطوطاليس، أن الحقائق البسيطة على هيئة استدارة حقيقية، وبرهن عليه العارف الجليل القاضي سعيد القمي رضوان الله عليه، فقال في الخوارق الملكوتية " فكأنه يقول: إنهم ليسوا مقلدين لـأرسطو، بل عندهم من أئمة الكفر من زاد على كفر أرسطو بأن وضح وبرهن على ما قاله أرسطوطاليس، يقول: "الحقائق البسيطة سواء كانت عقلية أو غيرها، يقتضي بذاتها استدارة حقيقية على حسب سعة الدرجة وضيقها، وكل يعمل على شاكلتها؛ وذلك لأن نسبتها إلى ما دونها من محيطتها لا يختلف بجهة دون جهة؛ فلو كانت غير مستديرة لاختلفت النسبة، وهذا خلف لا يمكن" اهـ.
يقول: "وهذه مرقاة لفهم حقائق الأسماء الإلهية، وإن كان الفرق بينهما ثابتاً كما أشرنا إليه".
ثم يقول: "هذا الذي أشرنا إليه أنموذج لأرباب الأسرار، وإياك أن تهتك سراً عند الأغيار" يعني: إياك أن تفشي هذه الأسرار، وتهتك أسرار القوم عند الأغيار، فإن الصوفية يسمون غيرهم -حتى لو كانوا رسلاً وأنبياء- أغياراً، لأنهم يعدون أنفسهم من الذات، والأغيار عندهم من كانوا من غير الذات، وهم الجهلة أو المحجوبون أو العمي الذين لا يعرفون النور الذي يزعمونه.